أرشيف الوسم: موسى بن ميمون

قواعد الإيمان اليهودي

قواعد الإيمان اليهودي

كتب الحاخام موسى بن ميمون القرطبي (٥٣٢ -٦٠٠هـ ١١٣٨ -١٢٠٣م) ثلاث عشرة قاعدة، يجب على كل يهودي أن يؤمن بها. وجدت أقوال الحاخام التي كُتبت باللغة العربية في كتابه المسمى «كتاب السراج» وهو تفسير للمِشنا، وقد جاء في مقدمته الطويلة للفصل العاشر من “سنهدرين” أو “المحكمة العليا” قواعد عديدة للإيمان. نلخصها للقرّاء الأعزّاء بما يلي:
١. القاعدة الأولى وجود الباري سبحانه. فهو موجود في كل مكان، وهو علة [سبب] وجود الموجودات كلها، وبه قوام وجودها ومنه تستمد البقاء ولو قدرنا ارتفاع وجوده لبطل وجود كل موجود ولم يبق مستقل بوجوده، ولو قدرنا ارتفاع الموجودات كلها غيره لما بطل وجوده تعالى ولا نقص، لأنه تعالى غني غير متفقر في وجوده لغيره…وهذه القاعدة الأولى [تشير عليها الكلمة الأولى من الأوامر العشر] ﴿أَنَا ٱللهُ رَبُّكَ الَّذِي أَخْرَجْتُكَ مِنْ بَلَدِ مِصْرَ مِنْ بِيتِ عُبُودِيَّةِ لاَ يَكُنْ لَكَ مَعْبُود آخْر مِن دُونِي﴾ (الخروج ٢٠: ٢ ترجمة كتاب التاج)
٢. القاعدة الثانية وحدته تعالى. وذلك أن هذا علة الكل واحد، ليس كواحد الجنس ولا كواحد النوع، ولا كالشخص الواحد المركب الذي هو ينقسم لآحاد كثيرة، ولا واحد كالجسم البسيط الواحد بالعدد الذي يقبل الانقسام والتجزؤ إلى ما لا نهاية، بل هو تعالى واحد بوحدة ليس كمثلها وحدة بوجه. وهذه القاعدة الثانية هي المدلول عليها بقوله ﴿اِعْلَمْ يَا إِسْرَائِيلَ إِنَّ اللهَ رَبُّنَا اللهُ ٱلوَاحِدُ﴾ (التثنية ٦:٤ ترجمة كتاب التاج)
٣. القاعدة الثالثة نفي الجسمانية عنه. وذلك أن هذا الواحد ما هو [ليس له] جسم ولا قوة في جسم، ولا تلحقه لواحق الجسم مثل الحركة والسكون…وهذه القاعدة هي المدلول عليها بقوله ﴿فَأَنْتُمْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً مَا حِينَ خَاطَبَكُمُ الرَّبُّ فِي جَبَلِ حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ﴾ (التثنية ٤: ١٥ ترجمة كتاب الحياة) يعني لم تدركوه [لم تعرفوه صاحب ﴿صُورَةً﴾] لأنه كما قلنا لا جسم ولا قوة لجسم.
٤. والقاعدة الرابعة القِدَم. وذلك أن هذا الواحد الموصوف هو القديم على الإطلاق، وكل موجودٍ غيره فهو غير قديم بنسبة إليه، ودلائل هذا في الكتب كثيرةٌ. وهذه القاعدة الرابعة هي المدلول عليها بقوله ﴿فَالإِلَهُ الأَبَدِيُّ هُوَ مَلْجَأُكُمْ﴾ (التثنية ٣٣: ٢٧ ترجمة كتاب الحياة) وأعلم أن قاعدة شريعة [موسى النبي عليه السلام] الكبرى هي كون العالم محدث كوّنه الله وخلقه بعد العدم المحض (وُجدت هذه الجملة على هامش ورقه في مخطوطة الأصلية المكتوبة بيد الحاخام).
٥. القاعدة الخامسة إنه تعالى هو الذي ينبغي أن يعبدَ ويعظّمَ ويعلن بتعظيمه وطاعته. ولا يُفعل ذلك لمن دونه في الوجود من الملائكة والكواكب والأفلاك وما تركب منها، لأنها كلها غير متحكة بأفعالها لا حكم لها ولا اختيار إلا حبّه تعالى، ولا تتخذ وسائط للتوصل إليه، بل نحوه تعالى تقصد الأفكار وتضرب عما دونه. وهذه القاعدة الخامسة هي النهي عن عبادة الأوثان، [إن أكثر مواضيع التوراة تنهينا عن عبادة الأوثان].
٦. والقاعدة السادسة النبوة. وذلك بأن يعلم أن هذا النوع الإنساني قد يوجد فيه أشخاص لهم فطرة فائقة  وكمال كثير، وتتهيأ نفوسهم حتى تقبل صورة العقل، ثم يتصل ذلك العقل الإنساني بالعقل الفعال فيفيض عليهم منه فيض كريم، وأولئك هم الأنبياء. وهذه هي النبوة وهذا معناها…ونصوص التوراة تشهد بنبوة أنبياء كثيرين.
٧. والقاعدة السابعة نبوة سيدنا موسى عليه السلام. وذلك بأن يُعتقد أنه أبٌ لجميع الأنبياء المتقدمين قبله والمتأخرين بعده. الكل هم دونه في الرتبة، وهو صفو الله من جميع النوع الإنساني، المدرك منه تعالى أكثر مما أدرك ويدرك كل إنسان وُجد ويُوجد، وأنه عليه السلام تناهى في العلو عن الإنسانية…وكهذا المعنى كُنى عنه بكونه يخاطب الله دون وساطة الملائكة.
٨. والقاعدة الثامنة هي «التوراة من السماء». وذلك بأنْ يأمن أن جميع هذه التوراة الموجدة بأيدينا يومنا هذا هي التوراة المنزلة على موسى، وإنها كلها «מפי הגבורה» [من المولى تعالى] وصلت لموسى كلها من قبل الله الوصول الذي يسميه على سبيل المجاز «كلام»، ولا يعلم كيفية ذلك الوصول إلا هو عليه السلام، الذي وصل إليه، ويكتب جميعها تواريخها وأخبارها وشرائعها وكذا سمي ﴿מחוקק﴾ [نَقَّاش] (العدد ٢١: ١٨)…والقول المدلول به على هذه القاعدة الثامنة هو قوله ﴿فَقَالَ مُوسَى: «بِهَذَا تَعْرِفُونَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي لأُجْرِيَ كُلَّ هَذِهِ الأَعْمَالِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ نَفْسِي»﴾ (العدد ١٦: ٢٨ ترجمة كتاب الحياة)
٩. والقاعدة التاسعة النسخ. وذلك أن هذه شريعة موسى لا تنسخ، ولا تأتي شريعة من قبل الله غيرها، ولا يزاد فيها ولا ينقص منها لا في النص ولا في التفسير، قال ﴿فَاحْرِصُوا عَلَى طَاعَةِ كُلِّ مَا أُوْصِيكُمْ بِهِ، لاَ تَزِيدُوا عَلَيْهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ﴾ (التثنية ١٢ :٣٢ ترجمة كتاب الحياة).
١٠. والقاعدة العاشرة أنه تعالى يعلم أفعال الناس ولا يُهْملهُم [الإشراف الإلهي والعناية الإلهية]. وليس كرأي من قال ترك الله هذه الأرض، بل كما قال ﴿عَظِيمٌ فِي الْمَشُورَةِ وَقَادِرٌ فِي الْعَمَلِ، وَعَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَانِ تُرَاقِبَانِ جَمِيعَ طُرُقِ الإِنْسَانِ لِتُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَصَرُّفَاتِهِ وَثِمَارِ أَعْمَالِهِ﴾ (أرمياء ٣٢ : ١٩ ترجمة كتاب الحياة) وقال ﴿وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ﴾ (التكوين ٦ : ٥ ترجمة كتاب الحياة) وقال ﴿وَقَالَ الرَّبُّ: «لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً﴾ (التكوين ١٨ : ٢٠ ترجمة كتاب الحياة)، فهذه يدل على هذه القاعدة.
١١. والقاعدة الحادية عشرة أنه تعالى يجازي من يمتثل بأوامر التوراة ويعاقب من يرتكب نواهيها وأن أعظم جزائه [العالم الآخر الأبدي] وأشد عقابه “אלכרת” “الكارِت” [مقطوع من الصالحين]…والنص المدلول به على هذه القاعدة قوله ﴿وَالآنَ إِنْ شِئْتَ، اغْفِرْ لَهُمْ، وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ﴾ (الخروج ٣٢: ٣٢ ترجمة كتاب الحياة) وجاوبه ﴿الَّذِي أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي﴾ (الخروج ٣٢: ٣٣ ترجمة كتاب الحياة) دليل على تحصيل المطيع والعاصي ليجازي هذا ويعاقب هذا.
١٢. والقاعدة الثانية عشرة «أيام المسيح» وهو الإيمان والتصديق بمجيه…ولا يضرب له أجل ولا تتأول النصوص لإخراج وقت مجيئه (التلمود البابلي “سنهدرين” أو “المحكمة العليا” ٩٧ب)…ومن أشكّ فيه أو استقلّ أمره كذب التوراة التي وعدت به  [بقوله تعالى ﴿أَرَاهُ وَلَكِنْ لَيْسَ حَاضِراً، وَأُبْصِرُهُ وَلَكِنْ لَيْسَ قَرِيباً. يَخْرُجُ نَجْمٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَظْهَرُ مَلِكٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ﴾ (العدد ٢٤: ١٧ترجمة كتاب الحياة وكذلك كتب الحاخام في «كتاب التثنية» باب “قضاة” في “شرائع الملوك” ١١: ٤) وقد قيل أيضاً ﴿فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ يَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَيَرْحَمُكُمْ، وَيَلُّمُ شَتَاتَكُمْ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ نَفَاكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ إِلَيْهِمْ ٤فَإِنْ كَانَ قَدْ بَدَّدَكُمْ إِلَى أَقْصَى السَّمَاوَاتِ فَمِنْ هُنَاكَ يَجْمَعُكُمْ وَيَرْجِعُ بِكُمْ، ٥وَيُعِيدُكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي وَرِثَهَا آبَاؤُكُمْ فَتَمْتَلِكُونَهَا، وَيُحْسِنُ إِلَيْكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ﴾ سفر التثنية ٣٠: ٣ – ٥ ترجمة كتاب الحياة] ومن جملة هذه القاعدة أن [لا يكون ملك لإسرائيل إلاَّ من ذرية الملك داود عليه السلام] ومن نسل الملك سليمان خاصةً… [وعندما] يرجع المُلك فيه لإسرائيل ويرجعون إلى [أرض إسرائيل] ويكون ذلك المُلك القائد ويعظم اسمه ويملأ أفاق الأرض سيكون أعظم من ملك سليمان ، وتسالمه الملل وتطوعه البلاد لعظم عدله…ولا يتغير في الوجود شيءٌ، عما هو عليه الآن، غير أن الملك يكون لإسرائيل ونص حكماء التلمود [من أقوال صموئيل في التلمود البابلي “بركات” ٣٤ب] «ليس فرق بين يومنا هذا وبين أيام المسيح إلا الاستقلالية عند الأمم فقط» ويكون في أيامه القوي والضعيف متساويين…والفائدة العظيمة في ذلك الزمان هو أن تستريح من سيطرة التي تعوقنا عن الفضائل كلها ويكثر العلم كما قال ﴿]]﴾ (٩: ١٨ ترجمة كتاب الحياة) وتنقطع الفتن والحروب كما قال ﴿﴾ (٩: ١٨ ترجمة كتاب الحياة) فيصح إلى ألذي يكون في تلك الأيام كمال كثير يرتقي به للعالم الآخر، والمسيح يموت ويلي ابنه وابن ابنه وقد بيّن الله تعالى موته قال ﴿]]﴾ (٩: ١٨ ترجمة كتاب الحياة) ويدوم ملكه دواماً عظيماً جداً، وتطول الأعمار أيضاً لأن بارتفاع الأحزان والأنكاد تطول الأعمار.

يهوذا الحريزي

يهوذا الحريزي (٥٧١ – ٦٢١ﻫ، ١١٧٦ – ١٢٢٥م)
وصل الشاعر الأندلسي إلى مدينة الإسكندرية في مصر عام ١٢١٥م، ثم ذهب إلى القاهرة واتصل بالحاخام إبراهيم بن موسى بن ميمون الذي كان رئيساً للطائفة اليهودية في مصر آنذاك وكتب هذا الشاعر قصيدة طويلة عن الحاخام موسى بن ميمون وابنه الحاخام إبراهيم. وكتب عنه بالعربية بحروق عبرية ما يلي(١):
“ثم بعد الزمان الطويل أقام الله للأمة هذا الرئيس موسى [بن ميمون] رضي الله عنه. فأنه لخص المعاني الفقهية. والعلوم الشرعية. فقصر من غير تقصير من طولها. وجمع جميع أصولها…وكشف عن أسرارها. إلى أن صارت العلوم الفقهية. والقوانين الشرعية. على الأفواه ملقنة. ولطالبها سهلة مبينة. تجري كالشهد على الألسنة. لا تعسر على القارئين معانيها. ولا يحتاج الأستاذ من كان له فطنة وتأمل فيها. فأحيى الفطن بعد موتها. وأعاد الشريعة الذاهبة بعد فواتها. وصارت بكتبه الجاهلين عالمة. والبليدين فاهمة. “

وهذه بعض النماذج من قصائدة:
1) فَإِنْ صَارَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ وَقَدْ كَانَ نُوراً بِهِ يُهْتَدَى
فَقَدْ قَامَ يُحْيِي شَرِيعَتَهُ رَئِيسُ بِهِ مُذْ نَشَا إِقْتَدَى
وَسُمِّيَ مُوسَى بِهِ الشَّرْعُ يُؤْسَى وَمِنْ كُلِّ بُؤْسٍ شِفَاءاً غَدَا
فَأَحْيَا الْعُلُومَ وَأَبْرَا الْكُلُومَ وَدَاوَى السَّقِيمَ وَلَمْ يَبْقَ دَا
وَأَنْشَا تَصَانِيفَ تَحْوِي الْمَعَارِفْ بَلَى أَيْنَ عَارِفُ مَا جَدَّدَا
[…]


2) وَهَلْ كَانَ إِلَّا الضِّيَاءُ تَجَلَّى أَعَزُّ عَلَيْنَا بِأَنْ يَخْمُدَا
لَقَدْ ذَهَبَ الْفَضْلُ مِنْ بَعْدِهِ وَسَيْفُ الْمَعَالِي غَدَا مُغْمَدَا
رَضِي اللهُ عَنْهُ وَيَقْبَلُ مِنْهُ مَشَائِدَ فَضْلٍ لَنَا شَيَّدَا
وَأَبْقَى رِدَى مَجْدِهِ لِابْنِهِ فَنِعْمَ الْمَرَادِي وَنِعْمَ الرِّدَا
لَقَدْ فَاقَ عَقْلاً مَقَالاً وَفِعْل فَكَمْ حَازَ فَضْلاً وَكَمْ سُؤْدُدَا
بَدَا مِثْلَ فَرْعٍ عَلَى نَهْرِ شَرْع سَمَا لِلْسَّمَا وَرَسَا مَحْتَدَا
سَنَا الشَّمْسِ رَاحَ بَلِ الْبَدْرُ لَاحَ مَضَى سَيِّدٌ مُخْلِفاً سَيِّدَا
فَإِنْ رَاحَ نُورٌ فَقَدْ لَاحَ نُورٌ وَإِنْ غَابَ هَذَا فَهَذَا بَدَا
___
١ «خمسة فصول» من كتاب يحيى بن سليمان بن شآول أبو زكريا الحريزي من أهل طليطلة نشرها مؤخراً يشوع بلاو مع باحث أخر ( مطبوع بالعبرية “مسعي يهوذا” أورشليم القدس ٢٠٠٢م) صفحات ١٠٢ – ١٠٥.

ترتيل التوراة

ترتيل التوراة
ينشد اليهود الكتاب المقدس العبري والمِشنا والتلمود جيلاً بعد جيلٍ. نجد في التلمود البابلي، أن الحاخام يوحانان (عاش في طبرية القرن الثالث بعد الميلاد) قال :عندما يقرأ الناس الكتاب المقدس عليهم أن ينشدوا الآيات وعندما يقرؤون المِشنا عليهم أن ينشدوا النص (“مغيلا” أو “مجلة” ٣٢أ).

أطلق على تشكيل (إضافة الحركات) الكتاب المقدس العبري الاسم «مَسورا» وهي كلمة عبرية تعني “اصطلاح التقليد”. كان رجال المَسورا أي الذين يضعون الحركات يوثقوا ما يسمعوا ويضعوا إشارات تدل على الترتيل المقبول. ازدهرت أعمال وجهود رجال المَسورا بدءاً من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي في الشرق الأوساط وخاصةً في مدينة طبرية في الجليل. كتب الحاخام موسى بن ميمون (كتابه التثنية “سفر توراة” ٨: ٤) أن مخطوطة «هارون بن آشر» المعروفة اليوم بمخطوطة «تاج حلب» أفضل المخطوطات التي كتبها رجال المسورا. وحتى يومنا هذا يقرأ اليهود الكتاب المقدس العبري بترتيل المَسورا وفقاً لهذه المخطوطة.

يقرأ اليهود التوراة في الكنس يوم السبت وأيام الصيام مرتين، المرة الأولى بعد صلاة الصباح والمرة الثانية قبل صلاة بعد الظهر. كما يقرؤونها مرة واحدة صباح يوم الاثنين ويوم الخميس وبداية الشهور وأيام الأعياد (المشنا “مِغيلا” أو “مجلة” الفصل الثالث). يضعون سفراً على المنصة وعلى القارئ أن يقرأ وقوفاً.
نجد في المخطوطات القديمة حركات الترتيل على المشنا أيضاً. وأفضل المخطوطات للمشنا مع التشكيل كُتبت قبل ألف سنة تقريباً وموجودة في مدينة برما في إيطاليا، لكنها ليست مخطوطة كاملة.

(١) قراءة التوراة بعد الظهر أيام الصوم (باستثناء صوم يوم الغفران) عادة بابلية (عراقية) فقط. لأننا نجد تلك العادة في جواب (فتوى) الحاخام نَطْروناي رئيس الكلية «سورا» في العراق (كتاب “حِمدا غِنوزا” ١٤: مخطوطة مدينة كامبريدج Add. 474 صفحة ١٨٥أ : ١٤)

يحيى بن سليمان الحريزي الطليطلي

يحيى بن سليمان الحريزي الطليطلي

ولد الشاعر والمترجم يحيى بن سليمان بن شاؤل أبو زكريّا الحريزي الطليطلي‎ سنة ٥٧١ هـ- ١١٦٦م في الأندلس و توفي سنة ٦٢٢ﻫ – ١٢٢٥م  أطلق عليه الاسم العبري يهوذا الحريزي. 

ترجم يحيى الحريزي كتب الحاخام موسى بن ميمون القرطبي (١١٣٥ – ١٢٠٣م) الهامة التي من باللغة العربية  إلى اللغة العبرية،ككتاب «دلالة الحائرين» الفلسفي وكتاب تفسير المشنا المسمى «كتاب السراج». كما ترجم الحريزي «مقامات الحريري» لصاحبه محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري (٤٤٦–٥١٦ هـ | ١٠٥٤–١١١٢م) ‎ إلى العبرية.

عندما أصبح في سن العشرين، بدأ في رحلته الطويلة من وطنه الأندلس إلى الشرق.حيث سافر إلى أورشليم القدس وبلاد الشام وبغداد و بلدان اخرى. كما وذكرت المصادر التاريخية بأنه لم يعد إلى بلاده بل توفي في مدينة حلب في سوريا. ألف «المقامات» وذكر فيها تجواله وزياراته للجاليات اليهودية في البلدان العربية وذكر أدبهم وثقافتهم في القرن الثالث عشر الميلادي. وذكر في كتابه القائد صلاح الدين الأيوبي الذي رحب بعودة اليهود إلى أورشليم القدس عام ١١٨٩م.

الشاعر العربي المسلم المبارك ابن أحمد ابن حمدان الموصلي (١١٩٧ – ١٢٥٦م) ألف «قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان» جمع فيه السير الذاتية للشعراء العرب وصنفهم حسب ترتيب الأحرف الأبجدية. وجاء ذكر الكاتب يحيى الحريزي في نهاية المجلد الثامن (الأخير) لأن اسمه يبدأ بحرف الياء. حيث كانت مقالته عن حياة هذا الشاعر تبلغ حوالي 8 صفحات.
كان شاعراً قوي القريحة غزير المادة. له شعر في المدح والهجاء. وصنف مصنفات باللسان العبري كثيرة، منها «كتاب المقامات» ومقامة مفرودة سماها «الروضة الأنيقة» باللسان العربي. وكان ذا قدرة في الشعر وكان له قصائد أنصاف أبياتها الأول بالعبري والأنصاف الأواخر بالعربي.

وكان قد طاف البلدان وجال في أقطارها، ثم سكن بآخره حلب، ولم يزل بها حتى مات ليلة الأربعاء من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة (هجرية).

وقد ذكره الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي رحمة الله ، وقال: ورد [أربيل] في العاشر من محرم من سنة سبع عشرة وستمائة (١٢٢٠م). قال: وحدثني أن اسمه بالعبرية يهوذا وأنه نقله إلى العربية [يحيى] وكان طويلاً من رجال أشيب ثطا…يسكن بين ظهراني [الإفرنج]، [يعني سكن في شمال الأسبانية تحت سيطرة المسيحيين] وكلامه [يعني لهجته ] مغربي، قريب الخروج من بلده، تراه كأنه يعتريه سهو. وكنت أخبرت بوروده وأثنى عليه رجل من اليهود وأنشدني [من قصائده بالعربية].”

مدح الشاعر يحيى الحريزي “السلطان الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين أبا الفتح موسى بن أبي بكر أيوب رحمه الله تعالى” في قصيدة طويلة نذكر منها نهايتها:

قال العدى ما لليهود وللندى
فأجبتهم أخطأكم التحصيل
ما شقّ موسى بحر جود للورى
إلا ليعبر فيه إسرائيل

في نهاية المقالة ذكر المؤلف ما يلي: وأنشدني أبو الفتح محمد بن أبي الخير بن أبي المعمّر بن إسماعيل التبريزي [في أربيل] رحمه الله تعالى، قال: أنشدني أبو زكريا يحيى بن سليمان الحريزي لنفسه. ثم أقبس قصيدة طويلة وجاء في ختامها ما يلي:

شهم غدا هذيَ الهُدَي أن أوقدا
نار الندى قلب العدى قربانها
بجانبه نشر الهدى راياته
فحكى قلوب عداته خفقانها
عزم سما باري السما ماضي الشبا
مهما الظبا ليس الدمى غربانها
يا كاملاً بل فاضلاَ يا فاعلاً
ما قصرت عن فعله أعيانها
أنعم بعيد بل سعيد في مزيد
من أيادٍ أينعت أفنانها
لك في المآثر دولة بل صولة
بل جولة حاز المدى فرسانه.

النبي أيوب عليه السلام

النبي أيوب عليه السلام

سفر أيوب في الكتاب المقدس العبري يتمحور حول أسباب المعاناة في الحياة. يحتوي على سؤالاً يسأله كل البشر في مرحلة ما في حياتهم: «لماذا تحصل الأمور السيئة للناس الجيدين؟» لا يحتوي السفر على إجابة واضحة على هذا السؤال. بل يعلمنا أن ليس كل شرير يعيش في هذه الدنيا يحصل على جزاءه العادل وليس كل صالح يعيش حياة سعيدة رغيدة حسب قانون معين وإنما كل شيء بيد الخالق تعالى.

كان النبي أيوب رجلاَ غنياَ عاش في أرض عوص وكان محسناً، يخاف رب العالمين، مستقيماً يتقي الله ويبتعد عن الشر. ألمت به فجأة أحداث بشعة، قُتل اولاده العشرة، خسر كل ثروته، وأصيب بمرض جلدي خطير عانى منه كثيراً. طلبت منه زوجته أن يكفر بالخالق ليتخلص من الآلام التي أصابته وتهكم عليها قالاً أنه على استعداد لقبول أي شيء من الله تعالى بل وشكره على نعمه وفضائله، علينا أن نتقبل الأمور السيئة بصدر رحب كما نتقبل الأمور الجيدة.
كرهه ثلاثة من أصدقائه وكان كل واحد منهم يعطي رأيه حول مرض أيوب وكانوا يصفونه بالكافر المبتعد عن الطريق المستقيم وما يجري له هو جزاؤه العادل. ولكن أيوب بصبره الطويل وتعلقه بالخالق تعالى شُفي تماماً وردّ الله عز وجل له أضعافاً مضاعفة من الخيرات وبيّن له بأن آراء أصدقائه كانت خاطئة.

أصحاب أيوب الذين عادوه هم أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفَر النعماتي، وكان هناك صاحب وقف في صفّ أيوب ضد أصدقائه الثلاثة اسمه إليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام. وهو الصديق الوحيد الذي كان مخلصاً وفقاُ لما جاء عند بعض المفسرين (مثل الحاخام موسى بن ميمون في كتابه دلالة الحائرين ٣: ٢٣) ولذلك لم يوبخه الله كما وبخ هؤلاء الثلاثة.

نفهم من كتاب أيوب أن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يُدرك طُرق الله في تسيير أمور الناس  وعلى الإنسان أن يكون صادقاً ولا يسلك إلا الطريق المستقيم.      

علماً أنه جاء في التلمود أن كتاب أيوب هو قصة خيالية و ليست قصة تاريخية هدفها ارشادنا الى الطريق الصحيح و مساعدتنا على فهم الحياة اكثر (التلمود البابلي “بابا بثرا” ١٥أ)