أرشيف الوسم: حاخام

تطور الصلاة اليهودية و شرائعها

تطور الصلاة اليهودية

لم نجد لليهود صلاة رسمية تُصلى بصورة دائمة في فترة البيت المقدس الأول باستثناء ما نجد في الكتاب المقدس. وفي فترة البيت المقدس الثاني وضعت المحكمة العليا صيغة الصلوات اليومية وهي تتألف من ثمانية عشر فصلا. وفي الفترة العباسية جُمعت الصلوات اليهودية في كتب في بلاد الشام والعراق.  وبإمكان كل فرد أن يضيف طلباته الشخصية والتماساته كلما أراد. ويستطيع اليهود أن يصلوا بأية لغة يفهونها كشهادة التوحيد اليهودي وبركة الطعام (المِشنا “سوطا” ٧ :١)، ونجد ترجمة للصلاة في اللغة العربية عند اليهود اليمنيين، ولكن معظم اليهود يصلّون اليوم باللغة العبرية.  وهذه ترجمة يمنية باللغة العربية للصلاة اليومية:




«واسمع صوتنا يا ربنا واشفق علينا وارحمنا واقبل برحمة ورضاء صلاتنا ومن بين يديك يا ملكنا لا تردّنا خائبين إذ أنت سامع صلوات كل فم دعاك سبحانك وتبارك اسمك يا سامع الصلوات ومجيب الدعاء.» (من تأليف الحاخام يوسف القافح عليه السلام، «كتابييم أ» مطبوع في أورشليم ١٩٨٨م، صفحة ٤٩٧)

وقد قال الحاخام إليعزر بن هورقانوس (المِشنا بركات ٤:٤ والمِشنا “أباء” أو “ابوت” ٢: ١٣ من أقوال حاخام شِمعون) على الشخص أن لا يجعل صلاته عملية روتينية (اِعْتِيَادِيّة) بل طلبات رحمة واستغفار للذنوب. ويقضي الحكماء عادة ساعة كاملة في التأمل والتفكير في عظمة الخالق تعالى قبل أن يبدؤوا صلواتهم (المِشنا “بركات” ٥: ١). للاطلاع على هدف الصلاة يرجى التفضل من هنا

وتؤدّى الصلوات اليهودية ثلاث مرات في اليوم، في الصباح وبعد الظهر وفي المساء، بالإضافة إلى صلاة أخرى في أيام السبت. كما أن هناك صلاة خاصة تؤدى في اليوم الأول من كل شهرٍ، وفي أيام الأعياد المذكورة في التوراة. تسمى الصلاة بالعبرية «صلاة الوقوف» لأن المصلين يقفون أثناء الصلاة. وتبدأ الصلاة بشكر للمولى تعالى وتنتهي أيضا بشكر وبطلب سلام كامل في الدنيا.
نجد نص الصلاة الرسمية بصيغة الجمع فقط ولكن يمكن لمن يشاء أن يضيف دعوة إلى صلاته بصيغة الفرد. وبالرغم من احتمال أداء الصلاة فرديا أو في الكنيس تتطلب أجزاء الصلاة حضور عشرة رجال. إن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد. وقد ذكر ذلك أيضاً الحاخام سعيد الفيومي في «كتاب جامع الصلوات والتسابيح» الذي كتبه بالعربية «وإن كانت جماعة تصلى هذه الثلاثة صلوات…ينبغي أن يكون من العشرة إمام لهم، يتقدّم بين يديهم، ويقول أشياء زائدة على صلاة الفرد…ويقومون يصلون [الفصول الثمانية عشر] بصوت [منخفض] فإذا فرغوا وسلّموا [التسليم هي نهاية الصلاة] تقدّم الإمام وافتتح [الصلاة بصوت عال]».

يهوذا الحريزي

يهوذا الحريزي (٥٧١ – ٦٢١ﻫ، ١١٧٦ – ١٢٢٥م)
وصل الشاعر الأندلسي إلى مدينة الإسكندرية في مصر عام ١٢١٥م، ثم ذهب إلى القاهرة واتصل بالحاخام إبراهيم بن موسى بن ميمون الذي كان رئيساً للطائفة اليهودية في مصر آنذاك وكتب هذا الشاعر قصيدة طويلة عن الحاخام موسى بن ميمون وابنه الحاخام إبراهيم. وكتب عنه بالعربية بحروق عبرية ما يلي(١):
“ثم بعد الزمان الطويل أقام الله للأمة هذا الرئيس موسى [بن ميمون] رضي الله عنه. فأنه لخص المعاني الفقهية. والعلوم الشرعية. فقصر من غير تقصير من طولها. وجمع جميع أصولها…وكشف عن أسرارها. إلى أن صارت العلوم الفقهية. والقوانين الشرعية. على الأفواه ملقنة. ولطالبها سهلة مبينة. تجري كالشهد على الألسنة. لا تعسر على القارئين معانيها. ولا يحتاج الأستاذ من كان له فطنة وتأمل فيها. فأحيى الفطن بعد موتها. وأعاد الشريعة الذاهبة بعد فواتها. وصارت بكتبه الجاهلين عالمة. والبليدين فاهمة. “

وهذه بعض النماذج من قصائدة:
1) فَإِنْ صَارَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ وَقَدْ كَانَ نُوراً بِهِ يُهْتَدَى
فَقَدْ قَامَ يُحْيِي شَرِيعَتَهُ رَئِيسُ بِهِ مُذْ نَشَا إِقْتَدَى
وَسُمِّيَ مُوسَى بِهِ الشَّرْعُ يُؤْسَى وَمِنْ كُلِّ بُؤْسٍ شِفَاءاً غَدَا
فَأَحْيَا الْعُلُومَ وَأَبْرَا الْكُلُومَ وَدَاوَى السَّقِيمَ وَلَمْ يَبْقَ دَا
وَأَنْشَا تَصَانِيفَ تَحْوِي الْمَعَارِفْ بَلَى أَيْنَ عَارِفُ مَا جَدَّدَا
[…]


2) وَهَلْ كَانَ إِلَّا الضِّيَاءُ تَجَلَّى أَعَزُّ عَلَيْنَا بِأَنْ يَخْمُدَا
لَقَدْ ذَهَبَ الْفَضْلُ مِنْ بَعْدِهِ وَسَيْفُ الْمَعَالِي غَدَا مُغْمَدَا
رَضِي اللهُ عَنْهُ وَيَقْبَلُ مِنْهُ مَشَائِدَ فَضْلٍ لَنَا شَيَّدَا
وَأَبْقَى رِدَى مَجْدِهِ لِابْنِهِ فَنِعْمَ الْمَرَادِي وَنِعْمَ الرِّدَا
لَقَدْ فَاقَ عَقْلاً مَقَالاً وَفِعْل فَكَمْ حَازَ فَضْلاً وَكَمْ سُؤْدُدَا
بَدَا مِثْلَ فَرْعٍ عَلَى نَهْرِ شَرْع سَمَا لِلْسَّمَا وَرَسَا مَحْتَدَا
سَنَا الشَّمْسِ رَاحَ بَلِ الْبَدْرُ لَاحَ مَضَى سَيِّدٌ مُخْلِفاً سَيِّدَا
فَإِنْ رَاحَ نُورٌ فَقَدْ لَاحَ نُورٌ وَإِنْ غَابَ هَذَا فَهَذَا بَدَا
___
١ «خمسة فصول» من كتاب يحيى بن سليمان بن شآول أبو زكريا الحريزي من أهل طليطلة نشرها مؤخراً يشوع بلاو مع باحث أخر ( مطبوع بالعبرية “مسعي يهوذا” أورشليم القدس ٢٠٠٢م) صفحات ١٠٢ – ١٠٥.

زوجة الحاخام مئير و الاشرار

زوجة الحاخام مئير و الاشرار

هذه هي قصة قصيرة من التلمود البابلي (بركات ٩أ) تتكلم عن الحاخام مئير وزوجته التي أطلق عليها الاسم بروريا. كان بعض قطاع الطرق يعيشون في حي الحاخام مئير وكانوا يتسببون له بمتاعب كثيرة. طلب الحاخام في صلواته من الله تعالى أن يموت هؤلاء الناس الاشرار.


فقالت زوجته له: كيف تدعو عليهم كذلك؟ إن هذه صلاةٌ لا تجوز أبداً! هل تصلي هكذا لأنه جاء في المزامير ﴿لِيَنْقَطِعِ الْخُطَاةُ مِنَ الأَرْضِ وَلْيَبِدِ الأَشْرَار﴾؟ (مزمور ١٠٤: ٣٥ ترجمة كتاب الحياة) انظر إلى نهاية الآية: ﴿وَلْيَبِدِ الأَشْرَار﴾ بعد أن يترك الرجال الأشرار أعمالهم الشريرة سوف يصبحون من الصالحين. عندما تتوقف الخطايا سيختفي الاشرار من على وجه الأرض. لذلك يجب أن تدعوَ الله أن يتوب هؤلاء الأشرار ويعودوا إلى رشدهم وبذلك تكون قد قضيت على الشر والأشرار معاً.

وبهذا الكلام هي أعطت زوجها درساً في التسامح والحب والشفقة. و هذه القصة تعلمنا درساً مهماً في الحياة عن الحب و الانسانية. و أن اصبحنا كلنا كالصالحة بروريا سيختفي الشر من العالم.

الولادة والختان

الولادة والختان
تأمر التوراة البشر أن يتكاثروا (التكوين ١: ٢٧-٢٨) وعلى المتزوجين أن ينجبوا أطفالا للحفاظ على الجنس البشري، كما تفرض التوراة على بني إسرائيل ختان كل الذكور في اليوم الثامن من ولادتهم كما قيل: (سفر اللاويين ١٢: ٣ ترجمة كتاب الحياة) ﴿وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُجْرَى خِتَانُ الطِّفْلِ﴾. يسمّى حفل الختان بالعبرية «بريت ميلا» بمعنى «عهد الختان» جاء الختان ليكون مفهوما بأنه علامة العهد الذي بين الله وبني إسرائيل منذ قصة إبراهيم في سفر التكوين (١٧: ١٠-١٤). تقع فريضة الختان على الأب إلا إنه عادة ينيب عنه خبيرا للقيام بذلك يسمى «موهيل». يتم حفل الختان في اليوم الثامن من الولادة ولكن إذا كانت الظروف الصحية للمولود لا تَسمح بذلك تؤجل عملية الختان حتى يصبحَ المولود صحياً معافى.
إن حفلة الختان مناسبة بهيجة وسارة يُدعى إليها الأهل والأصدقاء إلى منزل عائلة الطفل. يتلو الأب في احتفال الختان هذا الدعاء: «تبارك الله الذي أمرنا بإدخاله في عهد أبينا إبراهيم» ويجيب الحاضرون بصوت جماعي: «وكما يدخل في العهد، ليدخل كذلك في دراسة التوراة والامتثال فيها والزواج والأعمال الصالحة». (كتاب توسيفتا “بركات” ٦: ١٢)

وكما أن ولادة الطفل الذكر يأتي بالبهجة والسرور إلى العائلة كذلك فإن ولادة الأنثى تجلب البهجة والسرور أيضا. مَن رزقه الله تعالى بالبنات يجب أن يفرح. وأن يكون مسرورا بما أعطاه الخالق الرحمن. ويربيهن تربية حسنة وأن ينشئهن نشأة صالحة. كما قال الحاخام يوسف حاييم (بغداد ١٨٤٨-١٩٠٩م) في كتابه «قانون النساء» الذي كتب باللغة العربية، على الانسان أن«يتشكر [ربه تعالى] بلسانه ويفرح بقلبه». (الفصل السادس صفحة ٣٥)
جاء ما يلي  بالعربية العراقية بحروف عبرية في كتاب «قانون النساء» :
«مَن جاءته بنات ما لازم يحزن لهنّ. ولا يشعر مغبوناً بنفسه من جيئتهن. كيف يمكن يتكلّم ويحكي ويذمّ ويشكو عطية الخالق الرحمٰن الذي ينظر لكل شيء الذي يتولّد بآخر الزمان. يا نساء طيبين النية، اَفتكروا على جملة ناس بالدُنيا وتشفون كثير ناس ربّوا بنينهم. وتلقوا شرا من وجهم. لأنهم طلعوا ساقطين و قبيحين. وفقط بناتهم طلعوا مِليحين ثم صهورهم هم نصحوا. وأولاد بناتهم من الصالحين. وهل ناس لو يعلمون بالغيب ويعرفون كل الي يصير بالآخر من المليح والعيب كان حزنوا بميلاد بنينهم وفرحوا فرح عظيم بميلاد بناتهم. عاد لازم الآدمي كلما يعطينه ربه يتشكر بلسانه ويفرح بقلبه لأن كل إنسان وإنسان ما يعلم من الذي يحدث بالزمان وسبحان وتعالى هو يعرف خير الخلائق ومليحهم ويعطيهم اللازم لهم.».

ترتيل التوراة

ترتيل التوراة
ينشد اليهود الكتاب المقدس العبري والمِشنا والتلمود جيلاً بعد جيلٍ. نجد في التلمود البابلي، أن الحاخام يوحانان (عاش في طبرية القرن الثالث بعد الميلاد) قال :عندما يقرأ الناس الكتاب المقدس عليهم أن ينشدوا الآيات وعندما يقرؤون المِشنا عليهم أن ينشدوا النص (“مغيلا” أو “مجلة” ٣٢أ).

أطلق على تشكيل (إضافة الحركات) الكتاب المقدس العبري الاسم «مَسورا» وهي كلمة عبرية تعني “اصطلاح التقليد”. كان رجال المَسورا أي الذين يضعون الحركات يوثقوا ما يسمعوا ويضعوا إشارات تدل على الترتيل المقبول. ازدهرت أعمال وجهود رجال المَسورا بدءاً من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي في الشرق الأوساط وخاصةً في مدينة طبرية في الجليل. كتب الحاخام موسى بن ميمون (كتابه التثنية “سفر توراة” ٨: ٤) أن مخطوطة «هارون بن آشر» المعروفة اليوم بمخطوطة «تاج حلب» أفضل المخطوطات التي كتبها رجال المسورا. وحتى يومنا هذا يقرأ اليهود الكتاب المقدس العبري بترتيل المَسورا وفقاً لهذه المخطوطة.

يقرأ اليهود التوراة في الكنس يوم السبت وأيام الصيام مرتين، المرة الأولى بعد صلاة الصباح والمرة الثانية قبل صلاة بعد الظهر. كما يقرؤونها مرة واحدة صباح يوم الاثنين ويوم الخميس وبداية الشهور وأيام الأعياد (المشنا “مِغيلا” أو “مجلة” الفصل الثالث). يضعون سفراً على المنصة وعلى القارئ أن يقرأ وقوفاً.
نجد في المخطوطات القديمة حركات الترتيل على المشنا أيضاً. وأفضل المخطوطات للمشنا مع التشكيل كُتبت قبل ألف سنة تقريباً وموجودة في مدينة برما في إيطاليا، لكنها ليست مخطوطة كاملة.

(١) قراءة التوراة بعد الظهر أيام الصوم (باستثناء صوم يوم الغفران) عادة بابلية (عراقية) فقط. لأننا نجد تلك العادة في جواب (فتوى) الحاخام نَطْروناي رئيس الكلية «سورا» في العراق (كتاب “حِمدا غِنوزا” ١٤: مخطوطة مدينة كامبريدج Add. 474 صفحة ١٨٥أ : ١٤)

التاريخ الحديث لليهود في العراق

الفترة الساسانية
عندما انتقل الحكم الفارسي من يد البارثيين إلى يد الساسانيين ساءت الحالة الاجتماعية لليهود بسبب القيود التي فرضت على حريتهم كطائفة دينية، حيث طلب الساسانيون من جميع المواطنين في المنطقة أن يعتنقوا الديانة الزَرَادشتيّة، كما قامت الحكومة الساسانية بالإشراف على المحاكم اليهودية وقد وافق اليهود على ذلك. وفي هذا الصدد، يُذكر في التلمود البابلي بأن الحاخام صموئيل قال: «دينا ذي مالكوتا دينا» بمعنى «قانون المملكة يظل هو القانون» (نِداريم ٢٨ أ، بابا قامّا ١٣٣ أ). ومع ذلك ففي نهاية أيام المملكة البارثية وبداية أيام المملكة الساسانية تم تأسيس مدارس يهودية كثيرة في بابل.
عاش اليهود بسلام تحت حكم الملك شابور الأول (٢٤٢م – ٢٧٢م) وتحت حكم الملك شابور الثاني (٣٠٩م – ٣٧٩م) وأمّه إفرا هورميز المذكورة في التلمود البابلي مرات عديدة (“تعنيوت” ٢٤ب، “بابا باترا” ٨أ، “زِباحيم” ١٥٦ب، “نيدّا” ٢٠ب). ولكن منذ منتصف القرن الخامس الميلادي بدأ اليهود يعانون من فترة اضطهاد، وفي القرن السادس الميلادي عادت المشاكل مع الحكومة الفارسية إلى سابقتها عندما رفض اليهود تقبل النبي المزعوم «مزداك» الذي تبعه الملك الزرادشتي. وفي عام ٥٢٠م، قُتل رئيس السابيين، مور زوطرا الثاني. عادت الحالة الصعبة لليهود في بابل تحت حكم الملك هورميزد الرابع (٥٧٩م – ٥٨٠م).
الفترة الإسلامية
رحب اليهود بتوسيع الخلافة الأموية (٤٠ﻫ – ١٣٢ﻫ ٦٦١م – ٧٥٠م) إلى العراق لأنهم كانوا قد عانوا كثيراً في السنوات الأخيرة من الحكم الفارسي الساساني. وبعد الفتح الإسلامي للعراق في القرن السابع أعاد المسلمون منصب «رئيس المسبيين» لليهود واستمر ذلك حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي.

كانت ليهود العراق آنذاك مدرستان كبيرتان، إحداهما في مدينة «سورا» والأخرى في «فوم بديثا» أو مدينة الفلوجة. وخلال الفترة الإسلامية تم إطلاق الاسم “جاؤون” أو “غاؤون” – بمعنى الرئيس الأعظم – على الحاخامين الذين ترأسوا كلا المدرستين، وكان منهم الحاخام سعيد الفيومي. وتسمى هذه الفترة بالعبرية عصر “الجاؤونيم”.
وفي عام ١٣٦ﻫ – ٧٥٤م عندما أصبحت بغداد عاصمة للخلافة العباسية (١٣٢ﻫ – ٦٥٥ﻫ ٧٥٠م – ١٢٥٨م)، كَثُرَ فيها عدد السكان اليهود حتى أصبحت المدينة تضم أكبر عدد من اليهود في العراق. وخلال القرن التاسع الميلادي، نُقلت المدرستان «سورا» و«فوم بديثا» إلى بغداد. ومع ذلك، نرى أحياناً بأن اليهود قد اضطهدوا أيضاً من قبل بعض الخلفاء العباسيين؛ فقد أصدر الخليفة هارون الرشيد (١٦٩ﻫ – ١٩٣ﻫ ٧٨٦م – ٨٠٩م) وكذلك الخليفة المتوكل (٢٣٢ﻫ – ٢٤٦ﻫ ٨٤٧م – ٨٦١م) قوانين تفرق بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب.
لقد كان العهد الذهبي للخلافة العباسية عهداً ذهبياً أيضاً للمدرستي «سورا» و«فوم بديثا»، حيث أصبحت بغداد حتى عام ٤٤٩ﻫ – ١٠٥٨م، المركز الديني ليهود العالم. في هذه الفترة كان حكماء اليهود يرسلون أسئلتهم الدينية بالعبرية والآرامية والعربية إلى بغداد من كافة أرجاء العالم ليحصلوا على الأجوبة المناسبة الصحيحة من الحاخامين «الجاؤونين».

أثناء الاحتلال المغولي للعراق (٦٥٥ﻫ – ٧٣٥ﻫ، ١٢٥٨م – ١٣٣٥م) أفِل نجم اليهود في بلاد الرافدين حيث دُمرت الكنس في بغداد عام (٧٣٤ﻫ، ١٣٣٤م). ولا نعرف كثيراً عن حياة اليهود في العراق خلال فترة «آل جلاير» (حوالي ٧٣٦ﻫ – ٧٧٥ﻫ، ١٣٣٦م – ١٣٧٥م)، وفترة «قرا قويونلو» أو بالعربية «الخرفان السوداء» (حوالي ٧٧٥ﻫ – ٨٧٢ﻫ، ١٣٧٥م – ١٤٦٨م)، وفترة «آق قويونلو» أو بالعربية «الخرفان البيضاء» (٨٧٢ﻫ – ٩١٣ﻫ، ١٤٦٨م – ١٥٠٨م). وعندما استولى الفارسي إسماعيل الصفوي على العراق عام (٩١٣ﻫ، ١٥٠٨م)، قام بالدعوة إلى المذهب «الإثنا عشرية» وهي أكبر طوائف الشيعة. انذاك أسيئت معاملة أهل الكتاب. حكم الصفويون العراق ثم انتقل الحكم إلى العثمانيين الذين حاربوا الصفويين وانتصروا عليهم.
الفترة العثمانية
عندما احتل الجيش العثماني بغداد عام (٩٤٠ﻫ، ١٥٣٤م)، قام العثمانيون بفرض الجزية على اليهود لأنهم من أهل الكتاب وسمحوا لهم بالعيش بأمن في العراق. في نهاية القرن الثامن عشر عادت بغداد وأصبحت ثانيةً مركزاً دينياً وثقافياً واقتصادياً لليهود في بلدان العراق وفارس

الحاخام عبد الله سوميخ

وكردستان والهند وعدن. في عام (١٢٥٥ﻫ، ١٨٤٠م) تم تأسيس المدرسة الكبيرة “بيت زيلخا” في بغداد لتخريج الحاخامين، حيث قام رئيس المدرسة الحاخام عبد الله سوميخ بتعليم الكثير من التلاميذ ، وبعد وفاته أصبح الحاخام يوسف حاييم زعيماً روحياً للطائفة اليهودية في العراق. وقد نَعِمَ اليهود بالأمن والسلام تحت حكم مدحت باشا (١٢٨٥ﻫ – ١٢٨٨ﻫ، ١٨٦٩م – ١٨٧٢م) وحسين ناظم باشا (١٣٢٧ﻫ – ١٣٢٨ﻫ ١٩١٠م – ١٩١١م). واستمر حكم العثمانيون للعراق حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

الفترة الحالية
في عام ١٩١٧م بدأ الحكم البريطاني للعراق، حيث منحت خلاله الحقوق القانونية لجميع مواطني العراق بغض النظر عن دينهم، وهكذا عاش اليهود أيضاً بأمن وسلام. وفي هذه الفترة تأسست في بغداد الحركة الصهيونية، وكذلك جمعيتان إحداهما «الجمعية الأدبية الإسرائيلية» عام ١٩٢٠م و «الجمعية الصهيونية لبلاد الرافدين» عام ١٩٢١م. وفي ٢١ تموز ١٩٢١م، وقبل أن يصبح ملكاً على العراق، ألقى فيصل بن الشريف حسين (فيصل الأول) خطاباً أمام اليهود في الكنيس الكبير في بغداد، بـحضور الحاخام عزرا روبين دانغور، أكد فيه بأن اليهود متساوون في الحقوق والواجبات، مثلهم مثل بقية العراقيين. وعندما أصبح فيصل الأول ملكاً على العراق عين اليهودي ساسون حزقيال وزيراً للمالية.
في عام ١٩٣٣م توفي الملك فيصل الأول، وبدأ المواطنون من غير المسلمين يتعرضون للضغوط في العراق. وخلال تلك الفترة، لم تعد الصحافة تفرق بين اليهودي والصهيوني. وفي عام ١٩٤١م أُعلنت ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الوصي على عرش العراق عبد الإله بن علي الهاشمي الذي كان خلال الحرب العالمية الثانية حليفاً لبريطانيا ودول الحلفاء. وقد قام زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر بتأييد ثورة ١٩٤١، كما اشتركت فيها مجموعات فلسطينية كان على رأسها عبد القادر الحسيني والمفتي محمد أمين الحسيني. وخلال هذه الثورة حصل «الفرهود» – اسم مستعار للقتل والسلب والنهب الذي تعرض له اليهود في العراق لمدة يومين – في عيد الأسابيع المشهور باسم «عيد الزيارة» عند يهود بابل أي في ١ و٢ حزيران ١٩٤١ وهو ٦ و٧ جمادي الأول١٣٦٠. وقد قُتل خلاله مائة وثمانون شخصاً وجرح الألوف من اليهود. كما تم نهب الكثير من أملاكهم في بغداد والموصل، وأربيل والبصرة والعمارة والفلوجة. ورغم ذلك خاطر بعض العراقيين بحياتهم من أجل إنقاذ جيرانهم اليهود.

وفي أعقاب «الفرهود» والصعوبات التي واجهت يهود العراق، قام الكثير من أبناء الطائفة اليهودية – أغلبهم من الجيل الجديد – بالإنضمام إلى الحزب الشيوعي والحركة الصهيونية لإعتقادهم أن ذلك سيضمن لهم السلم والأمن. وفي عام ١٩٤٨م أصدرت الحكومة العراقية سلسلة من قوانين ضد الطائفة اليهودية منعت فيها اليهود من السفر إلى خارج العراق، من الخدمة في الدوائر الحكومية، ومن الانخراط في الجيش والشرطة. كذلك منعت اليهود من بيع أملاكهم أو شراء عقارات، كما لم يسمح لليهود بالحصول على التراخيص الضرورية لمهن مختلفة. وفي أعقاب ذلك فر من البلاد عشرة آلاف من اليهود العراقيين حيث هاجروا إلى إيران قبل عام ١٩٥١، عندما فتحت الحكومة العراقية الباب أمام اليهود بالهجرة بشرط أن يتركوا أملاكهم ويتخلوا عن جنسيتهم العراقية. ونتيجة ذلك هاجر أكثر من مائة ألف من اليهود العراقيين وبقي في البلاد أقل من سبعة آلاف يهودي. وقد عانى اليهود كثيراً خلال فترة حكم حزب البعث في العراق.
اليوم
يعيش كثير من اليهود العراقيين حالياً في إسرائيل وبريطانيا. وكان المرحوم الحاخام ميئير حوريش الذي وُلد في بغداد من بين الذين هاجروا إلى إسرائيل حيث أصبح رئيساً للطائفة اليهودية العراقية في مدينة راماث غان، وكان علاّمة معروف بتواضعه الشديد. كما يعيش الأستاذ ساسون سوميخ في إسرائيل حيث يعلّم اللغة العربية وآدابها في جامعة تل أبيب، وكان صديقاً حميماً للكاتب المصري المشهور نجيب محفوظ، رحِمه الله، وقد تحدث في كتابه الأخير «بغداد أمس» بالعربية عن سيرة عائلته اليهودية العراقية.

السيدة هدى نونو

أما الحاخام المرحوم سليمان ساسون فقد عاش في بريطانيا؛ وقد ألف تفاسير عديدة عن التوراة لا زالت تدرس وتتداول بين تلاميذه. كما أن السيدة هدى نونو سفيرة البحرين في الولايات المتحدة الأمريكية، 

هي أيضاً يهودية من أصل عراقي.

تعود جذور اليهود العراقيين إلى أكثر من ألفين وخمسمائة عام عاشوا خلالها بصورة عامة بسلام مع الآخرين، وكانوا من الفئات المتأثرة بالعرب والثقافة العربية.

اضغط هنا للأطلاع على التاريخ القديم لليهود في العراق

التاريخ القديم لليهود في العراق

الفترة الآشورية والبابلية
تم تهجير بنو إسرائيل إلى بلاد الرافدين عام ٧٢٢ قبل الميلاد بعد أن قام الآشوريون بتدمير مملكة إسرائيل الشمالية وسبي الأسباط اليهود العشرة الذين كانوا يعيشون فيها. ثم تلاها قيام الملك البابلي نبوخذ نصر باجتياج مملكة يهودا عام ٥٩٧ قبل الميلاد وسبي عشرة آلاف يهودي حيث اقتادهم مع ملكهم يَهُويَاكِينَ من أورشليم إلى بابل. وكانت المرحلة الأخيرة بعد إحدى عشرة سنة عندما تم سبي الملك صِدقيا (٥٨٦ قبل الميلاد) مع عدد من اليهود وبذلك تم القضاء على مملكة يهوذا الجنوبية وتدمير البيت المقدس الأول في مدينة أورشليم. (الملوك الثاني ٢٥: ١- ١٧)

أقتيد اليهود إلى بابل بعد أن انتابهم حزن عميق وألم كبير من جراء تدمير البيت المقدس الأول وفقدهم أورشليم، وقد قيل في المزمور (١٣٧: ٤- ٥) قال اليهود في بابل ﴿كَيْفَ نَشْدُو بِتَرْنِيمَةِ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟ إِنْ نَسِيتُكِ يَاأُورُشَلِيمُ، فَلْتَنْسَ يَمِينِي مَهَارَتَهَا﴾ (ترجمة كتاب الحياة)؛ ومع ذلك قد عاشوا في مدن كثيرة منها، خَابُورَ (حزقيال ١: ١) وتلّ أبيب العراقية (حزقيال ٣: ١٥) وتَلّ مِلْحٍ وَتَلّ حَرْشَا (عزرا ٢: ٥٩ ونحميا ٧: ٦١). وعاش كثير من الأنبياء والزعماء الذين ورد ذكرهم في الكتاب المقدس العبري في بابل مثل النبي حزقيال (ذو الكفل) والنبي دانيال عليهما السلام وكذلك عزرا ونحميا اللذين قادا اليهود للعودة إلى أرض إسرائيل من بابل.

الفترة الفارسية والسلوقية
عندما انتصر كورش ملك الأخمينيين على البابليين عام ٥٣٩ ق.م.، سمح لليهود بالعودة إلى أرض إسرائيل حيث قاموا ببناء بيت المقدس الثاني؛ ومع ذلك فقد بقي الكثير من اليهود في بابل.
ووفقاً للمؤرخ اليهودي يوسف بن متاثيا الكاهن في كتابه «تاريخ اليهود» (١١: ٣٣٨)، عندما احتل الإسكندر المقدوني وجيشه بابل عام ٣٣١ قبل الميلاد سمح لليهود بالاستمرار في حياتهم الدينية كما كانوا يمارسونها أثناء الحكم الفارسي (الأخميني). ومع قيام الدولة السلوقية عام ٣١٢ قبل الميلاد، بدأ يهود بابل باستخدام تقويم سنويٍ أرخوا به وثائقهم الرسمية وعقود الزواج والطلاق، وقد استمر ذلك حتى نهاية الخلافة العباسية.

الفترة البارثية
في عام ١٢٠ قبل الميلاد، انتصر البارثيون – الذين هم شعب فارسي – على المملكة السلوكية، وحكموا بابل حتى عام ٢٢٤م. وخلال فترة حكمهم عاش اليهود في سلام وأمن، وتم تعيين رئيس للطائفة اليهودية في بابل، أطلق عليه اسم «رئيس الْمَسْبِيِّينَ»، وهو رجل من ذرية الملك داود، كان دوره سياسياً وليس دينياً؛ وقد استمر ذلك حتى القرن السادس بعد الميلاد.
ومن الحاخامين الذين وُلدوا في أرض إسرائيل قبل تدمير بيت المقدس الثاني (عام ٧٠م)، وجاءوا إلى بابل وعاشوا فيها: يهوذا بن بِتيرا في مدينة نصيبين، ونحميا من بيت ديلي في مدينة «نهرداع» على نهر الفرات.
في عام ١١٤م، قام الإمبراطور الروماني تراجان (٩٨م – ١١٧م) بمحاربة البارثيين والانتصار عليهم؛ وقد حكم بابل لسنوات قليلة. وفي عام ١١٧م طلب الإمبراطور تراجان من قائده قيطوس أن يهجّر اليهود من بابل لأنه كان يخاف من تحالفهم مع الفرس ضد الرومان؛ ويذكر المؤرخ المسيحي يوسابيوس القيصري (٢٧٥م- ٣٣٩م) بأن القائد قيطوس قام بقتل الكثير من يهود بابل بدلاً من تهجيرهم. («تاريخ الكنيسة المسيحيه» أو «Historia Ecclesiastica» ٤: ٢ ، ٣٠٦) بعد وفاة تراجان أصبح هادريان إمبراطور روما في الفترة (١١٧م – ١٣٨م) وقام بسحب الجيش الروماني من بابل.

الصورة من موسوعة ويكيبيديا

وعندما قاد شمعون بن كوسبا تمرداً مفتوحاً ضد الرومان في أرض إسرائيل هرب تلاميذ الحاخام إشماعيل إلى بابل وأصبحوا معلمين ليهود بابل. وقد تتلمذ كثير من الحاخامين من أصل بابليٍّ على أيديهم وقد نزع منهم في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الميلادي، ومنهم الحاخامون: أحاي بن يوشيا، إيسي بن يهوذا، حِيَّا الكبير، أبا أريكا، أبا بن أبا (أبو صموئيل)، لاوي بن سيسي.

عيد رأس السنة اليهودية

عيد رأس السنة اليهودية
تبدأ السنة العبرية في شهر تشري اليهودي خلال فصل الخريف، وهو الشهر الذي يحتوي على العديد من الأعياد. يحل عيد أول السنة في بداية الشهر، وأشيرَ إليه في التوراة كيوم جَلبة (العدد ٢٩ :١ ترجمة التاج) أو ﴿تذكار هتاف البوق﴾ (اللاويين ٢٣: ٢٤ ترجمة سميث). الاسم الثاني المذكور في سفر اللاويين استناداً إلى التلمود الأورشليمي (عن الحاخامين، الحاخام كاهانا والحاخام لوي في “رأس السنة” ٥٩ب). ووفقاً لترجمة الحاخام سعيد الفيومي في كتاب التاج هو ﴿يوم تَبْوِيقِ جلبةٍ﴾ بمعنى “دق القرن”. وبالتالي يعتبر النفخ في البوق من أبرز المظاهر في طقوس هذا العيد. وهذه التقاليد واجبة في التلمود (المِشنا “رأس السنة” ٤: ٩) ومن الضرورة أن يسمع جميع المصلين ثلاثة أصوات مختلفة من البوق ثلاث مرات.


وقد كتب الحاخام موسى بن ميمون في «كتاب التثنية» سبب النفخ في البوق في هذا العيد ما يلي:
«وبالرغم من أن نفخ البوق من أوامر التوراة ولكننا نجد رمزاً فيه. وكأنه يصرخ: “استيقظوا! استيقظوا! أيها النائمون من نومكم. استيقظوا أيها النائمون من إغفاءتكم! اُذكروا الخالق الذي خلقكم وافتكروا أفعالكم وتوبوا إلى رب العالمين!”» (كتاب التثنية باب العِلم من شرائع التوبة ٣: ٤) 
إن الغاية والهدف النبيل السامي في هذا العيد هو أن يترك الإنسان الخطايا والطريق غير الصحيح وأن يعود إلى الله تعالى بكل قلبه ويعاهده أن يسلك الطريق المستقيم وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يحفظ جميع وصايا الله لينعم بحياة سعيدة وسلام مع أخوانه في الإنسانية وأن تكون سنة مباركة مليئة بالسلام والبركة والنجاح بالأعمال ودوام الصحة والعافية للبشرية جمعاء. 
في فترة التلمود أشارت التقاليد اليهودية في بابل بأن يحتوي الطعام في ليلتي عيد رأس السنة، أطعمة ذات مدلول خاص مثل التمر (وهو رمز للأمل في سنة طيبة قادمة) والقرع، واللوبيا، والبصل الأخضر، والسلق. هذه العادة ليست واجبة (التلمود البابلي “كاريتوت” ٦أ).

كما توجد صلاة خاصة ليوم رأس السنة للأطلاع يرجى الضغط هنا

صلاة عيد رأس السنة

صلاة عيد رأس السنة
الصلاة الخاصة لهذا اليوم لها ثلاثة مبادئ هامة في الديانة اليهودية التي يدعوها الحاخام سعيد الفيومي في كتابه «جامع الصلوات والتسابيح» الذي كُتب بالعربية، بــ«مُلْك الله جل وعز»، وهذه الصلاة مؤلفة من تسعة أقسام رئيسية أي تسع بركات. تتضمن الأقسام الثلاثة الأولى والأخيرة الست البركات الموجودة في الصلاة اليومية، وبين هذين القسمين نجد البركات الثلاث الخاصة بهذا العيد وهي: 
«مُلك» قبول الله تعالى كملك للعالم.
«ذكريات» الاعتراف بأن الله تعالى يعطي الثواب للصالحين ويعاقب الشريرين.
«قرون» الاعتراف بأن الله تعالى أنزل التوراة على جبل سيناء.
وقد فسر الحاخام أبا من مدينة قرطاج في شمال أفريقيا السبب لهذه الأقسام التسعة التي تشكل صلاة عيد رأس السنة (التلمود الأورشليمي “تعنيوت” أو “صيام” ٦٤د). فحسب الحاخام أبا، ترمز الأقسام التسعة إلى صلاة السيدة حنة أم صموئيل النبي عليه السلام، لأن حنة ذكرت اسم المولى تعالى في صلاتها تسع مرات (صموئيل ألأول ٢: ١-١٠). في هذا العيد المتعلق بالتوبة وبالصلاة تُتلى صلاة حنة في الكنيس ومن بعدها تذكر التسع بركات كما جاء في التلمود البابلي (“مغيلّا” أو “مجلة” ٣١أ). 
نتعلم من صلاة حنة بعض الدروس القيمة بالنسبة للصلاة. أولاً، يجب أن يصلى الشخص في قلبه (التلمود البابلي “تعنيوت ٢أ”) كما وجدنا في صلاة حنة ﴿فَإِنَّ حَنَّةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي قَلْبِهَا﴾ (صموئيل ألأول ١: ١٣ ترجمة كتاب الحياة). ثانياً على المصلي أن يرمي بنفسه الى المولى تعالى وتكون صلاته متحمسة وجدّية كما قالت حنة عن نفسها ﴿أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ﴾ (صموئيل ألأول ١: ١٥ ترجمة كتاب الحياة). إن الصلاة تريح نفس صاحبها تجاه خالقه كما نجد ذلك عند حنة بعد صلاتها بالقول ﴿وَلَمْ تَعُدْ أَمَارَاتُ الْحُزْنِ تَكْسُو وَجْهُهَا﴾ (صموئيل ألأول ١: ١٨ ترجمة كتاب الحياة). وكذلك قال الحاخام شمعون بن لاقِّيش من الذي يريد أن يطهر نفسه فيؤده الرب (التلمود البابلي “صوم يوم الغفران” ٣٨ب).

النبي أيوب عليه السلام

النبي أيوب عليه السلام

سفر أيوب في الكتاب المقدس العبري يتمحور حول أسباب المعاناة في الحياة. يحتوي على سؤالاً يسأله كل البشر في مرحلة ما في حياتهم: «لماذا تحصل الأمور السيئة للناس الجيدين؟» لا يحتوي السفر على إجابة واضحة على هذا السؤال. بل يعلمنا أن ليس كل شرير يعيش في هذه الدنيا يحصل على جزاءه العادل وليس كل صالح يعيش حياة سعيدة رغيدة حسب قانون معين وإنما كل شيء بيد الخالق تعالى.

كان النبي أيوب رجلاَ غنياَ عاش في أرض عوص وكان محسناً، يخاف رب العالمين، مستقيماً يتقي الله ويبتعد عن الشر. ألمت به فجأة أحداث بشعة، قُتل اولاده العشرة، خسر كل ثروته، وأصيب بمرض جلدي خطير عانى منه كثيراً. طلبت منه زوجته أن يكفر بالخالق ليتخلص من الآلام التي أصابته وتهكم عليها قالاً أنه على استعداد لقبول أي شيء من الله تعالى بل وشكره على نعمه وفضائله، علينا أن نتقبل الأمور السيئة بصدر رحب كما نتقبل الأمور الجيدة.
كرهه ثلاثة من أصدقائه وكان كل واحد منهم يعطي رأيه حول مرض أيوب وكانوا يصفونه بالكافر المبتعد عن الطريق المستقيم وما يجري له هو جزاؤه العادل. ولكن أيوب بصبره الطويل وتعلقه بالخالق تعالى شُفي تماماً وردّ الله عز وجل له أضعافاً مضاعفة من الخيرات وبيّن له بأن آراء أصدقائه كانت خاطئة.

أصحاب أيوب الذين عادوه هم أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفَر النعماتي، وكان هناك صاحب وقف في صفّ أيوب ضد أصدقائه الثلاثة اسمه إليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام. وهو الصديق الوحيد الذي كان مخلصاً وفقاُ لما جاء عند بعض المفسرين (مثل الحاخام موسى بن ميمون في كتابه دلالة الحائرين ٣: ٢٣) ولذلك لم يوبخه الله كما وبخ هؤلاء الثلاثة.

نفهم من كتاب أيوب أن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يُدرك طُرق الله في تسيير أمور الناس  وعلى الإنسان أن يكون صادقاً ولا يسلك إلا الطريق المستقيم.      

علماً أنه جاء في التلمود أن كتاب أيوب هو قصة خيالية و ليست قصة تاريخية هدفها ارشادنا الى الطريق الصحيح و مساعدتنا على فهم الحياة اكثر (التلمود البابلي “بابا بثرا” ١٥أ)